مال وأعمال
الموارد البشرية.. وقود الفكر وسواعد البناء
ربما ينظر البعض إلى الكثافة السكانية باعتبارها عقبة أمام تقدم الأمم وتحقيق معدلات مرتفعة من التنمية، لكن الواقع والتجارب يؤكد عكس ذلك، فكم من دولة كان سكانها وقود نهضتها بل إنهم كانوا الحل الذي تغلبت به على نقص الموارد الطبيعية ومقومات بناء الاقتصاد القوي.
الموارد البشرية هى الثروة الرئيسية لجميع البلاد، فالمال والموارد الطبيعية رغم أهميتهما إلا أنهما ليس لهما قيمة دون العنصر البشري، فلا شك فيه أن الموارد البشرية تعتبر شرطًا أساسيًا لتحقيق التنمية الشاملة، فالدولة التي تعجز عن تنمية مواردها البشرية لا يمكنها تحقيق أهدافها.
وخير دليل علي ذلك هو وجود العديد من الدول التي تتوفر لديها الموارد الطبيعية والبشرية، إلا أنها علي الرغم من ذلك مازالت في مؤخرة الأمم نتيجة لعدم اهتمامها بمواردها البشرية وعدم استثمارها. وعلى صعيد آخر نجد أن هناك بعض الدول التي تمتلك موارد بسيطة ومع ذلك فهي دول متطورة، فبريطانيا مثلا كانت أكبر قوة اقتصادية في العالم ولم تكن تمتلك أي مصادر طبيعية، وسويسرا لا تمتلك سوى شلالات مائية، واليابان لا تمتلك سوى كميات متواضعة من الفحم ومع ذلك استطاعت تلك الدول تحقيق تنمية كبيرة جعلتها في مصاف الدول المتقدمة نتيجة لاهتمامها بالعنصر البشري، حيث رأوا أن ثروة المجتمع الحقيقية تكمن في قدرات مواطنيه العملية.
يعتبر الاستثمار في العنصر البشري في بعض الدول هو وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية، ولذلك تنفق الدول المتقدمة 2-3% من إجمالي ميزانيتها العامة على البحث والتطوير، حيث ثبت أن كل دولار يستثمر في التدريب يعود على المؤسسة بعائد يقدر بثلاثين دولار.
وجاء تأثير الاستثمار في العنصر البشري ليحقق التقدم والنمو الاقتصادي والاجتماعي، فإن كان تقدم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية طبيعياً، فمن غير الطبيعي أن نجد من بين الدول المتقدمة (ألمانيا واليابان) وهما الدولتان الخاسرتان في الحرب وأيضا الصين وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، فتلك الدول هي أفضل نموذج للاهتمام بالاستثمار في تنمية الموارد البشرية، حيث استطاعت تحقيق معدلات عالية للنمو الإقتصادي واستطاعت تخطي حاجز الفقر وتبوأت مكانة متقدمة بين دول العالم الكبرى، اعتماداً علي ما لديها من موارد بشرية والتي حرصت على تأهيلها وتنمية مهاراتها وقدراتها.
وفيما يلي نستعرض بعض الأمثلة للدول التي حرصت علي استثمار العنصر البشري لتحقيق نهضتها الاقتصادية:
أولاً: الصين: تعتبر الصين من بين الدول الاقتصادية الكبرى في العالم، حيث شهد الاقتصاد الصيني نموًا متسارعًا منذ النصف الثاني من القرن ال20، وتعتبر الموارد البشرية أحد العوامل التي ساهمت في بناء القوة الاقتصادية للصين، ففي عام 2006 قدرت القوة البشرية للصين بـ1 مليار 331 مليون نسمة، مشكِّلةً بذلك أكبر سوق استهلاكية في العالم ويد عاملة مؤهلة ورخيصة بفضل مجهودات الدولة في مجال تكوين العنصر البشري، حتي أصبحت نسبة مساهمة رأسمال الموارد البشرية في النمو الاقتصادي حوالي 35% في الصين مقابل 75% في الدول المتطورة، مما يوضح أن مساهمة رأسمال الموارد البشرية في النمو الاقتصادي الصيني لديها حيز تطور كبير، واليوم تمتلك الصين 26% من إجمالي القوي البشرية في العالم بمعدل 700 مليون من الأيدي العاملة.
ثانياً اليابان: بعد تحرر اليابان من عقده الاحتلال الأمريكي، شرعت الحكومة اليابانية في تنمية مواردها البشرية من خلال إرسال البعثات إلى الدول الأوروبية واستقدام الأطر العلمية والتقنية للإشراف على عمليات التأهيل في المؤسسات اليابانية، فاليابان عبارة عن جزر منعزلة تعاني من ندرة شديدة في الموارد الطبيعية، إلا أن ثقتها في مواردها البشرية جعلتها تبني اقتصادًا قويًا تقف من خلاله بين مصاف الدول الثمانية الكبرى، حيث تم توظيف اليابانيين بكامل مواردهم المالية وطاقاتهم البشرية ذات الكفاءة العالية لتنشيط الاقتصاد الياباني وترميم البنية التحتية المهدمة والتوسع في بناء قواعد جديدة وعصرية للانتاج وتوليد فائض كبير من الأموال والسلع، أدى ذلك إلى ظهور القوة الاقتصادية اليابانية والتي نجحت في تحويل الدمار والتخلف الاقتصادي إلى معجزة اقتصادية.
انعكس ذلك بشكل إيجابي علي التنمية البشرية الداخلية، فتنمية التعليم بلغت 85%، ونسبة البطالة أصبحت لا تتعدى 4% ومعدل الدخل الفردي وصل إلى 37000 دولار، ولمواصلة نهضتها الاقتصادية زادت اليابان نفقاتها على بعض القطاعات مثل البحث العلمي 3.1%، والتعليم 3.7%، والصحة 6.7%.
كما شهدت بعض الدول مثل الهند وألمانيا وفرنسا وغيرهم استثمارًا للقوي البشرية ساعدها في التقدم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ورفع كفاءتها الإنتاجية وتحقيق أهدافها المرجوة.
لتثبت كل هذه النماذج أن الإنسان لا يمكن أن يكون عائقاً في طريق التنمية بل هو من يذلل العقبات لتحقيق التنمية والتطور.